فيلم السيد لا أحد

شاهدت من أيام قليلة فيلم (Mr.Nobody)
الفيلم عبارة عن خيال طفل ولد فيه مدينة بأكملها بأشخاص طبيعيين جدا ولكن الأحداث متداخلة بشكل مذهل يجعلك كل دقيقة تدرك ان هناك شيئا غامضا لا تفهمه وعندما تهم بترك الفيلم لأنك لا تفهم المعنى تفاجأ بمشهد يشرح لك كل ما غاب عن ذهنك فجأة وكأن المخرج يطل عليك من الفيلم ويقول لك .. انتظر ما غاب عن ذهنك تفسيره كذا وكذا

الفيلم عبقرى الفكرة .. المونتاج .. التصوير .. الإخراج ... يبدو لك كقصة خيال علمى ولكنها تحتوى على دلالات ورموز كثيرة جداااا تشعر بالسعادة والدهشة عندما تفك طلاسمها وحدك

ادعو الجميع الى مشاهدة الفيلم لأنه يستحق المشاهدة وقبل ان تغمرنا اعلانات أفلام العيد التافهة الساقطة الملوثة بدماء لحوم جزارين الدقى كما تعودنا وكما بدأت بعض الفضائيات فى التنويه عنها

كبار بدأنا .. كبار لم نستمر


يحتفل التلفزيون المصرى هذه الأيام بمرور 50 عام على بدء البث لأول مرة عام 1960 ومن مظاهر الاحتفال الفقير اطلاق قناة تلفزيونية اسمها ( التلفزيون العربى ) ومهمتها هى اعادة بث اجزاء من التراث التلفزيونى المصرى منذ بداية البث عام 1960 باذاعة برامج ومسلسلات وخلافه

الى هنا والموضوع عادى جدا ليس به اى اخطاء بل على العكس فكرة اطلاق تلك القناة كانت جيدة الى حد ما ولكنها للأسف الشديد كما يقول الكاتب سليم عزوز فى القدس العربى ... انها كشفت مدى انحطاط المستوى العام للتلفزيون المصرى بعد مرور 50 عام على انشائه خاصة ان هذه القناة تقوم باذاعة مسلسلات وبرامج كانت تفتقر بشدة الى الامكانيات المتاحة حاليا المتقدمة منها وغير المتقدمة وبالرغم من ذلك فانها تبدو وكأنها ذات قيمة فنية واعلامية قيمة للغاية خاصة اذا كانت المذيعات اللاتى يقدمن البرامج من عينة سلوى حجازى أو ليلى رستم أو همت مصطفى وكان الضيوف من أمثال موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب أو الدكتور طه حسين أو فاتن حمامة او غيرهم من الكثير والكثير . هذه القناة للأسف كشفت المستوى الحالى للأعلام المصرى متثملا فى الجهاز الأعلامى الرسمى للدولة وكيف أنه بدأ كبيرا بالفعل ولكنه لم يستمر كبيرا كما يدعون

قـريـة ظـالمـة

قرأت مؤخرا رواية عظيمة لأديب عظيم وكبير لا أظن أن كثيرا من قراء الروايات وفن الأدب يعلمون عنه شيئا خصوصا فى دولة لا تمجد الا الأرجل التى ترقص على النغمات أو تراقص الكرات فى الملاعب . الرواية اسمها هكذا ( قـريـة ظـالمـة ) لمؤلفها الطبيب والأديب والمفكر الراحل الدكتور محمد كامل حسين

الدكتور محمد كامل حسين كما نشر فى صدر الرواية الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب فى طبعتها الثانية الصادرة عام 2006 ، هو أديب مصرى وطبيب وعالم ومفكر وفيلسوف جمع بين دقة العلماء وتميز الأدباء وهو أول مدير لجامعة ( ابراهيم باشا - جامعة عين شمس حاليا ) وعضو مجمع اللغة العربية عام 1952 ميلادية وعضو المجلس الأعلى للجامعات وكذلك مجلس جامعة الأزهر الشريف .

من مؤلفاته الفكرية ( الوادى المقدس ) ومن مؤلفاته الإبداعية قصة ( قوم لا يتطهرون ) وأيضا الراوية المتحدث عنها هنا .. ( قرية ظالمة ) التى نال بسببها جائزة الدولة التقديرية فى فرع الأدب لعام 1957 ميلادية وهو الوحيد الذى جمع بين جوائز الدولة فى العلوم والأدب .

قرية ظالمة تعد من علامات السرد فى الأدب العربى فى النصف الثانى من القرن العشرين طبعت لأول مرة عام 1954 ميلادية وتناولتها وقتها أقلام كبار الكتّاب فى مصر فكتب عنها عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين والدكتورة سهير القلماوى والأديب محمد عبدالحليم عبدالله وآخرون ، كما تناولها نقاد عالميون وترجمت الى إحدى عشرة لغة عالمية وظلت نموذجا دالا للإبداع والفكر العربى

القرية الظالمة التى يقصدها الدكتور كامل هى ( أورشليم ) المكان الذى تدور فيه أحداث الرواية بينما زمنها فلا يتعدى اليوم الواحد وهو يوم الجمعة المصيرى فى تاريخ البشرية ذلك اليوم الذى صلب فيه السيد المسيح عليه السلام فيصف الدكتور كامل حال كل من الرومان وبنى إسرائيل والحواريين الذين قرروا جميعا صلب المسيح .. بنو إسرائيل بخوفهم المبالغ فى الخوف على ديانتهم اليهودية وادعائهم بأنه ساحر وكاذب ومبتدع يريد هدم الديانة المسيحية ، الحواريين الذين آثروا الاستسلام لأمر الصلب وعدم المقاتلة دفاعا عن نبيهم بحجة دينهم الذى يقضى بالمحبة المطلقة ورغبتهم فى نشر الدين الجديد على أيديهم بعد نبيهم ، والرومان الذين يقضون لأجل بنى إسرائيل ما يضمن لهم الحفاظ على امبراطورية الرومان فى أورشليم وغيرها .

وتنتهى الرواية بانتهاء اليوم الذى تظلم فيه الدنيا لمدة ثلاث ساعات عند رفع السيد المسيح عليه السلام الى السماء ليصير يوما شهيرا غيّر وجه البشرية ومنحها دينا جديدا . والرواية تتميز برصانة الأسلوب وقوة الألفاظ والمعانى المستخدمة خاصة فى الحوارات القائمة بين أبطال الرواية وكأنها مجادلة بين فلاسفة ومفكرين كبار جدا تجعلك وانت تقرأ تشعر بنشوة التفكير والمنطق والفلسفة الواضحة فى الحوارات والأحداث كانك تقرأ لأول مرة فى حياتك شيئا مكتوبا باللغة العربية !

ان رواية ( قرية ظالمة ) هى أفضل عمل روائى قرأته حتى الآن من حيث قوة الأسلوب والمعانى والسرد .. تحية للأديب الراحل

كتب وموسيقى وبعض الاكتئاب والحنق

فى فترة الهدنة التى قررت مسبقا القيام بها لم أشغل نفسى كثيرا بما يحدث خارج حدود جسدى بخلاف العمل طبعا ومتطلباته التى لا تنتهى متحملا سخافات لا حصر لها من العملاء ومن غيرهم بالاضافة الى الزحام المرورى الرهيب الذى تعانى منه القاهرة منذ بداية فصل الصيف والأجازات مما خلق لدى شعورا ببعض الأكتئاب المغلف والمحلى ببعض الحنق على الأوضاع المزرية للشارع المصرى من حيث المرور وتعامل الناس مع بعضهم البعض فى الطرقات والشوارع

لكن الأجمل فى الهدنة هو الوجبات الدسمات من الثقافة الرفيعة المتمثلة فى الاستماع الى المقطوعات الموسيقية الراقية لموتسارت والموسيقار الجميل يانى وغيرهم من الأوروبيين والعرب على رأسهم المفضل لدى الموسيقار الكبير عمر خيرت والذى دائما ما يبهرنى فى كل مقطوعة استمع اليها من تأليفه وأدائه . تلك الوجبات الدسمة كانت تتخللها بعض القرءات المختلفة للكتاب الكبار من أمثال الروائى الكبير خيرى شلبى والذى أعشق اسلوب كتابته السهل الجميل المعبر بقوة عن طبقات مهمشة تعيش بيننا ونراها كل يوم لكن لا نتصور ان لها عوالمها الخاصة جدا مثلما يمثلها لنا شلبى .

قرأت مؤخرا كتاب عظيم لكاتب أعظم .. رواية ( قرية ظالمة ) للكاتب والأديب والطبيب الدكتور محمد كامل حسين أول مدير لجامعة عين شمس فى الخمسينيات والوحيد الذى حاز جائزة الدولة فى فرعين مختلفين .. فى العلوم مرة وفى الآداب مرة وسوف اتحدث فى موضوع منفصل عن هذه الرواية وهذا الكاتب الكبير

كانت هذه هى أهم ملامح الهدنة التى ابتعدت بها عن احداث الشارع السياسية والاقتصادية والكروية وكل ما يجلب الهم والغم عسى أن استعيد بعض النشاط الذهنى على الأقل

تحياتى لكم جميعا

عدنا بفضل الله

عدت بفضل الله الى عالم التدوين مرة أخرى

كل الشكر والتقدير لمن سأل عنى فى غيابى ومن لم يسأل

سأكتب قريبا جدا عن الهدنة وآثارها

تحياتى